في مثل هذا اليوم من 837 سنة، بدأ السلطان صلاح الدين الأيوبي حصارا على مدينة القدس في 20 سبتمبر عام 1187، وهو حدث يمثل نقطة تحول في صراع طويل استمر لمدة 90 عامًا ضد الاحتلال الدموي لمدينة القدس، وانتهت المعركة في 2 أكتوبر باستسلام الصليبيين واستعادة المدينة.

وبحسب روسيا اليوم، يشير جوناثان فيليبس، الأستاذ في جامعة ييل، في كتابه "حياة وأسطورة السلطان صلاح الدين" إلى أن الغرب نادراً ما يعتبر الشخصيات المسلمة البارزة أبطالاً، لكن صلاح الدين الأيوبي يُعد استثناءً من هذه القاعدة.

أسس دولة متحدة ثم تفرغ للقضاء على الصليبيين

ويستعرض الأكاديمي البريطاني أن يوسف بن أيوب، المعروف بصلاح الدين، وُلِد في مدينة تكريت على ضفاف نهر دجلة. 

وقد سعى لتأسيس إمارة واسعة، بلغت حدودها عند وفاته في عام 1193 مناطق تمتد من تونس الحديثة إلى اليمن وتركيا وإيران، واستطاع صلاح الدين الإطاحة بالممالك القوية في المنطقة، ووضع حداً لحكم الصليبيين الذي استمر 88 عاماً، ما أجبرهم على اتخاذ مواقع دفاعية في مدن متفرقة على ساحل البحر المتوسط.

الغرب حاول تشويه صورته بفرض ضريبة باسمه

يشير النص إلى أن هناك نهجًا غير تقليدي سيطر على الثقافة الغربية في تصوير شخصية صلاح الدين، حيث تم تقديمه كرجل يحتقره الفرسان الرهبان، ووصفه بألفاظ قاسية، بما في ذلك "ابن الشيطان".

ففي العصور الوسطى، ذهبت إنجلترا بعيدًا في هذا الاتجاه، حتى أنها فرضت ضريبة باسمه، على أمل إثارة مشاعر الكراهية تجاهه بين السكان.

محاولات تشويه صورته زادت الإعجاب به

يعتقد الكاتب أن هذه المحاولات لتشويه صورة صلاح الدين "كانت محكوم عليها بالفشل" منذ البداية، ولم تؤدِ إلا إلى زيادة الإعجاب به بين الناس، لأن جميع الإشارات إليه في قصص الصليبيين تصفه كرجل يتمتع بالرحمة والكرم تجاه الضيوف، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.

بعد عقود من وفاة صلاح الدين الأيوبي، قام مؤلفا عصر النهضة الإيطاليان، جيوفاني بوكاتشيو وفرانشيسكو بترارك، بتمجيد شخصيته، حيث تم ذكره في العديد من الأعمال الأدبية، بدءًا من ملحمة "الكوميديا الإلهية" لدانتي، وتحديدًا في الجزء الأول المعروف بـ "الجحيم"، وصولًا إلى روايات العصر الفيكتوري، حيث ظهر صلاح الدين كبطل، وفي القرن العشرين في بريطانيا، تم تسمية سفينة حربية وبعض أنواع المركبات المدرعة باسمه.

اكتسب إعجاب الغرب رغم تدمير خططهم ودعمهم للصليبيين

يستشهد جوناثان فيليبس في هذا الكتاب بتعليق يقول: "لا يمكن العثور على شخصية تاريخية أخرى تسببت في أضرار جسيمة للأمة وإيمانها، ومع ذلك يتمتع بمثل هذا الإعجاب".

في هذا الكتاب، يسلط المؤلف الضوء على مواقف تستحق الإشادة لصلاح الدين، مشيراً إلى أنه على عكس الصليبيين الذين قاموا بقتل سكان القدس فور استيلائهم عليها، سمح لهم بالرحيل دون أي عقاب عندما عاد إلى المدينة.

الصليبيون حولوا المسجد الأقصى لإسطبل

ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنه رغم أن الصليبيين قد دنسوا المسجد الأقصى، الذي يُعتبر ثالث أقدس موقع في الإسلام بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، وجعلوه اسطبلاً لخيولهم، إلا أن صلاح الدين الأيوبي كان يحمي الأضرحة المسيحية، بما في ذلك كنيسة القيامة. وقد قام ذات مرة بدفع فدية لتحرير امرأة مسيحية من الأسر، كما أنه تبرع بثروته وأعاد توزيعها بسخاء.

بشكل عام، يصف الباحثون الأوروبيون صلاح الدين بأنه قائد عسكري بارع، يتميز بالدهاء والمكر، وقد حقق انتصاراته الكبيرة ليس من خلال التفوق العددي، بل بفضل المهارة والحنكة العسكرية، بالإضافة إلى مبادراته الإنسانية النادرة التي لم يكن لها مثيل في الجانب الآخر.

التشابه بين الصليبيين والصهيونيين

وكان الكاتب والمفكر البريطاني ديفيد هيرست نشر مقالًا يشبه بين إسرائيل والصليبيين من حيث الأساليب والمطامح، وأشار إلى أن السلوك الإسرائيلي قد يؤدي في النهاية إلى نفس النهاية التي واجهها الصليبيين في الشرق. 

ورغم أن المقال كتب قبل فترة، إلا أن هيرست لم يغير في مضمونه عند نشره، مؤكدا أن سلوك إسرائيل سيؤدي إلى نزع الشرعية عنها وقد يجعلها تواجه مصير الصليبيين في الشرق.

صليبيو هذا الزمن 

ويقول الكاتب إن الإسرائيليين يرفضون بسخط "التهمة السائدة" الموجهة إليهم في مختلف أرجاء العالم، والتي تقول بأنهم صليبيو هذا الزمن، ولكنهم يرفضون هذه التهمة اعتبارًا من أعتبارات معنوية، باعتبار أن قضيتهم هي عودة الشعب المنفي والمنكل به إلى وطنه التاريخي، ولا يمكن مقارنتها بغزو المتشددين من أتباع الكنائس في القرون الوسطى.

إسرائيل تدرس تاريخ الصليبيين

ومع ذلك، يعيرون اهتمامًا خاصًا بتاريخ الصليبيين وتجربتهم، ويقام في إسرائيل مركزًا مهمًا لدراسة الصليبيين. 

ويقول الكاتب أن العالم المختص ديفيد أوهانا أن "القلق الصليبي" أو "التخوف المرضي الخفي" من أن "المشروع الصهيوني" قد يؤدي إلى دمار شامل، جزءًا لا يتجزأ من الحالة النفسية الإسرائيلية.

ومن بين التشابهات بين الصليبيين والصهاينة، تحقيق المهارة العسكرية العالية وضمان الدعم من القوى الأجنبية. وفي حالة الصليبيين، كان الدعم يأتيهم بشكل رئيسي من الصليبيين الجدد والملوك والأمراء والنبلاء في أوروبا الإقطاعية.