سجلت الأسابيع الماضية تزايد وتيرة الاحتجاجات في صفوف ملاك العقارات والمشترين بسبب بطء عمليات نقل الملكية، ذات علاقة بالإجراءات الجبائية المفروضة على الموثقين، التي فرضت آجالا مستحدثة قبل توقيع العقود امتد بعضها إلى أشهر. يتعلق الأمر بالإجراء المنصوص عليه في المادة 95 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وإجراء الإدلاء بوصل الأداء الضريبي (Quitus fiscal)، الذي دخل حيز التنفيذ منذ فاتح يوليوز الماضي.

وتعالت أصوات موثقين ومنعشين عقاريين من أجل إيجاد حل لبطء وتعثر عمليات نقل الملكية بسبب ضعف التواصل بين الإدارات بطريقة إلكترونية، خصوصا على المستوى الجبائي، إذ أصبح المنعشون، حتى المعفيون منهم من الضرائب، مطالبين بالإدلاء بشهادة أداء الضرائب والرسوم المثقل بها العقار، في الوقت الذي يعتبر مشروع قانون المالية 2025 فرصة بالنسبة إلى هذه الجهات للمطالبة بحلول لهذه العقبات الإجرائية.

وحولت الإجراءات الجبائية المشار إليها الموثقين إلى جباة لفائدة الدولة، وأداة فعالة بالنسبة إلى السلطات من أجل تحصيل الديون العمومية، المتمثلة في متأخرات الرسوم المحلية والضرائب المختلفة، بالاستفادة من المنصة الرقمية التي يدبرون عبرها معاملات نقل الملكية “توثيق”، إلا أنها في المقابل تسببت في بطء عمليات نقل الملكية العقارية، التي تشكل القلب النابض للسوق العقارية ومؤشرا مهما على صحة مناخ الأعمال وتطور الجاذبية الاستثمارية.

بطء المعاملات

يعتبر وصل الأداء الضريبي وشهادة أداء الضرائب والرسوم المثقل بها العقار من الوثائق الضرورية التي يجب على الملاك والمنعشين العقاريين تقديمها قبل إتمام أي عملية بيع أو شراء، ويهدف هذا الإجراء إلى ضمان دفع جميع الضرائب المستحقة قبل نقل الملكية، لكنه يتسبب في إطالة أمد الإجراءات الإدارية، خصوصا في ظل ضعف التنسيق بين الإدارات المعنية، ما يطرح، حسب الموثق عبد الصمد مرابط، مشاكل إضافية تفاقم الصعوبات التي يواجهها المخولون بمهام التوثيق، المتعلقة أساسا بالتعديلات المستمرة في القوانين الضريبية، مثل ضريبة الخدمات الجماعية وضريبة السكن، موضحا أنهم مجبرون على التكيف بسرعة مع هذه المتغيرات الجديدة، ومطالبون ببذل المزيد من الوقت والموارد، ما يؤدي إلى بطء كبير في إتمام المعاملات.

وأضاف مرابط، في تصريح لهسبريس، أن “الموثقين يلعبون دورا مهما في عملية إتمام عقود البيع والشراء العقارية، إذ يقومون بالتنسيق بين الملاك والمنعشين والخزينة العامة. ورغم دورهم الحيوي، إلا أنهم يواجهون ضغوطا كبيرة نتيجة الإجراءات البيروقراطية وتعقيدات النظام الضريبي، ما يؤدي إلى تأخر إنهاء العقود”، مشيرا في السياق ذاته إلى أنه منذ دحول إجراء الإدلاء بوصل الأداء الضريبي حيز التنفيذ قبل أزيد من شهرين، شهدت عمليات نقل الملكية تباطؤا مهما، خصوصا في الأراضي والعقارات المملوكة من قبل عدد كبير من الورثة، موضحا أن أداء الضريبية يقوم على مبدأ التضامن، وبالتالي وجد البائعون أنفسهم في هذه الحالة ملزمين بأداء مبلغ الضريبة بالكامل، رغم اختلاف قيمة أنصبتهم وبعضها اقترب من مبلغ الضريبة، ما تسبب في “بلوكاج” عمليات بيع عديدة.

زعزعة الثقة

اعتبر يونس لحراري، منعش عقاري في الدار البيضاء، أن التأخر في إتمام المعاملات يؤثر بشكل مباشر على التدفقات المالية للمنعشين، إذ تتعطل عمليات البيع، وبالتالي تتأخر المداخيل، موضحا أن هذه الحالة تعرقل الاستثمارات العقارية وتزيد من تكاليف التمويل، مشددا على أن بطء عمليات نقل الملكية بسبب إجراءات التحصيل الجبائي، لا يؤثر فقط على المنعش، بل يمتد ليشمل المشتري الذي يجد نفسه في وضعية انتظار طويلة للحصول على ممتلكاته، منبها إلى أن هذا الوضع يخلق حالة من عدم اليقين ويؤثر على ثقة المشترين في السوق، مما يؤدي إلى تباطؤ نمو السوق العقارية بشكل عام.

وشدد لحراري، في تصريح لهسبريس، على ضرورة تحسين مستوى التنسيق بين الإدارات الضريبية والخزينة العامة والموثقين لتسهيل تبادل المعلومات وتبسيط الإجراءات، مبرزا أن تطوير منصات رقمية ملحقة بمنصة “توثيق”، تتيح إجراء المعاملات الضريبية بشكل أسرع وأكثر شفافية، من شأنه تخفيف العبء الإداري على أطراف العقود، ودعا إلى إجراء مراجعة شاملة للقوانين الضريبية لتكون أكثر وضوحا ومرونة، بما يتلاءم مع خصوصيات السوق العقارية، معتبرا أن البيروقراطية تمثل تحديا كبيرا للمنعشين، وهو ما يتطلب تسهل عمليات نقل الملكية العقارية، وتضمن في الوقت نفسه توازنا بين تعزيز مداخيل الدولة ودعم القطاع العقاري.